مفاوضات طهران وترامب- تحديات الملف النووي، النفوذ الإقليمي، ومستقبل العلاقات

المؤلف: أحمد الحيلة09.08.2025
مفاوضات طهران وترامب- تحديات الملف النووي، النفوذ الإقليمي، ومستقبل العلاقات

بعد انقطاع دام ست سنوات منذ انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، شهدت عُمان انعقاد الجولة الأولى من المحادثات بين طهران وإدارة الرئيس ترامب. هذا الاتفاق، الذي أُبرم في عام 2015، جمع بين إيران ومجموعة 5+1، التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا.

الأمر المثير للاهتمام ليس فقط استئناف المفاوضات بأهميته البالغة، بل أيضًا مبادرة ترامب الجريئة بإرسال رسالة إلى طهران عبر دولة الإمارات العربية المتحدة. تحث الرسالة القيادة الإيرانية على الدخول في حوار، وإن كانت نبرتها تتضمن تهديدات ووعيدًا، وهو الأسلوب الذي ألفناه منه في الآونة الأخيرة.

بدأ ترامب اتصالاته مع طهران، وتم تحديد موعد ومكان للمفاوضات في عُمان في الثاني عشر من أبريل/نيسان. وعلى نحو عاجل، استدعى ترامب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في السابع من أبريل/نيسان، وأطلعه على فحوى الاتصالات الجارية مع طهران. وأكد له عزمه على المضي قدمًا في مسار المفاوضات، معتبرًا ذلك أولوية تفوق رغبة نتنياهو في الحرب، وهو الذي كان له دور فعال في دفع الرئيس ترامب في ولايته الرئاسية الأولى إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الذي حظي بمباركة باراك أوباما في حينه.

ظهر نتنياهو خلال زيارته الثانية للبيت الأبيض وهو يعتريه القلق والانزعاج في لقائه مع ترامب أمام وسائل الإعلام، وكان مقتضبًا في حديثه. وأشار في الوقت ذاته إلى أنه يأمل في أن يتم التعامل مع الملف النووي الإيراني بنفس الطريقة التي تم بها التعامل مع الملف النووي الليبي في عام 2003؛ أي بالتفكيك الكامل لجميع أجزاء المشروع ونقلها وأجهزة الطرد المركزي إلى الولايات المتحدة الأميركية.

فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، تبنى الرئيس ترامب في السابق الرؤية الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو بالانسحاب من الاتفاق، وفرض عقوبات قاسية على إيران، على الرغم من أن الاتفاق كان في الواقع يحد من قدرة طهران على إنتاج قنبلة نووية، وذلك بموجب القيود والشروط المنصوص عليها في الاتفاق الموقع، وبفضل طبيعة الرقابة الدولية الصارمة على البرنامج النووي الإيراني.

إلا أن ترامب في عام 2018، على غرار الاحتلال الإسرائيلي، رأى أن ذلك الاتفاق منح طهران مزايا اقتصادية من خلال رفع العقوبات عنها، مما عزز نفوذها وقوتها في المنطقة من خلال تواجدها عبر الحرس الثوري، وتحالفاتها السياسية، ودعمها لحلفائها في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين. وهو الأمر الذي كانت تنظر إليه تل أبيب بقلق بالغ، خاصةً مع تزايد قوة حزب الله في لبنان.

الآن، وبعد مرور ست سنوات على انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، طرأت سلسلة من التحولات الخاصة بطهران وحلفائها، مما دفع إدارة ترامب إلى المبادرة بالمفاوضات التي كانت تراها في السابق غير مُجدية. ومن بين تلك التحولات:

  • خسارة طهران لحليفها بشار الأسد، وفقدان سوريا كدولة حليفة بعد نجاح الثورة ضد نظام الأسد، يعتبر خسارة إستراتيجية فادحة لإيران. فسوريا تتمتع بثقل سياسي وجغرافي في شرق البحر الأبيض المتوسط، ونظام الأسد المخلوع كان حليفًا لروسيا، الصديقة لطهران، إضافة إلى العلاقات الوثيقة مع حزب الله اللبناني الذي كان يتنفس من خلال سوريا ويعتمد على خطوط الإمداد عبر أراضيها.
  • تراجع قوة حزب الله اللبناني، بعد معركة طوفان الأقصى – التي شارك فيها عبر تقديم الدعم الناري لغزة، حيث شنّت إسرائيل ضربات أمنية وعسكرية مباغتة أسفرت عن القضاء على أعداد كبيرة من قيادات الصفَّين الأول والثاني، وفي مقدمتهم الأمين العام السيد حسن نصر الله – شكّل أيضًا خسارة كبيرة لإيران التي استثمرت في الحزب ولبنان سياسيًا وأمنيًا على مدار عقود طويلة.

لقد كان حزب الله شوكة في حلق إسرائيل، واستثمرت إيران قوته في حساباتها السياسية والتفاوضية بشأن برنامجها النووي مع أميركا، الحليف والراعي الإستراتيجي لإسرائيل المحتلة.

  • استهداف الولايات المتحدة الأميركية لليمن وللحوثيين، حلفاء طهران؛ حيث استهدفت البحرية الأميركية خلال شهر واحد من بدء العمليات العسكرية ضد اليمن أكثر من 300 هدف، وما زالت عمليات القصف مستمرة، في محاولة لعزل اليمن عن دعم غزة، وحرمانها من القدرة على تهديد الملاحة الأميركية والإسرائيلية عبر بحر العرب والبحر الأحمر.

إن قصف اليمن في حد ذاته يحمل أيضًا رسالة واضحة إلى طهران، مفادها أن واشنطن جادة في استخدام القوة العسكرية، في وقت تكثف فيه من تواجد قطعها البحرية وحاملات الطائرات، وسلاح الجو عبر قواعدها المنتشرة في المنطقة.

إذن، الرئيس ترامب يستثمر في ضعف إيران وقوة الولايات المتحدة الأميركية لانتزاع ما يستطيع من طهران عبر المفاوضات وتحت التهديد المباشر، وهو الأمر الذي تستشعره القيادة الإيرانية وتدرك خطورته في ظل محدودية خياراتها، واقتراب النار من حدودها السياسية، بعد أن كانت تقاتل في ساحات خلفية وعبر دول مجاورة أو بعيدة عنها.

ملفات شائكة

إذا نظرنا إلى طبيعة العلاقة المتوترة بين طهران وواشنطن، وتضارب المصالح بينهما، يمكننا تحديد ثلاثة ملفات معقدة بين الطرفين، وهي:

أولًا: الملف النووي الإيراني

تطمح واشنطن إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني، على غرار مطالبة نتنياهو بتفكيكه ومصادرة جميع أجزائه ونقلها إلى خارج الأراضي الإيرانية، على غرار ما حدث مع البرنامج النووي الليبي. لكن طهران، في المقابل، تتمسك ببرنامجها النووي للأغراض السلمية، وتبدي استعدادها لتقديم ضمانات لواشنطن بأنه لن يُستخدم لأغراض عسكرية، أو في صنع القنبلة النووية، كما صرح بذلك الرئيس الإيراني بازشكيان في التاسع من أبريل/نيسان.

وإذا وافقت واشنطن على المقترح الإيراني، فما هي القيود والشروط التي ستفرضها لضمان بقاء البرنامج سلميًا، وما هو الثمن الذي ستطلبه من طهران مقابل ذلك، وما هو موقف إسرائيل وبنيامين نتنياهو من تلك الشروط والشروط المضادة؟

ثانيًا: الصواريخ الباليستية ومنظومة تصنيعها

تُعدُّ هذه المسألة من القضايا الخلافية الأخرى بين الطرفين؛ حيث تعتبر طهران الصواريخ الباليستية وسيلة ردع إستراتيجية، وقد استثمرت فيها الكثير من الجهد والمال والبنية التحتية. ومن غير المرجح أن تقبل إيران بالتنازل عن هذا الملف، لأن التنازل عنه سينزع منها أحد أهم مظاهر قوتها الإستراتيجية في المنطقة بعد خسائرها في سوريا ولبنان، وربما لاحقًا في اليمن والعراق، إذا نجحت الضغوط الأميركية على بغداد والحوثيين في اليمن، وهما ملفّان مفتوحان.

وهنا لا بد من التذكير بتأثير موقف إسرائيل في هذا الشأن، وهي التي تلقت ضربة صاروخية كبيرة من إيران بمئات الصواريخ، بما في ذلك صواريخ فرط صوتية طالت قواعد عسكرية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، في عملية نوعية أسمتها إيران "الوعد الصادق 2″، أثناء معركة طوفان الأقصى.

ثالثًا: نفوذ إيران وشبكة حلفائها

تعتبر قوة نفوذ إيران وتأثيرها عبر شبكة من الحلفاء والأصدقاء في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وعموم المنطقة، إحدى نقاط قوتها التي تزعج واشنطن وتل أبيب وحلفاءهما في المنطقة.

من غير المستبعد أن تطالب إدارة الرئيس ترامب بنزع سلاح حزب الله اللبناني (أي أن تتوقف إيران عن دعم حزب الله بالسلاح وتقنيات التصنيع)، وبتغيير وضع الفصائل الشيعية الموالية لإيران في العراق التي لها وجود رسمي في الدولة، وميزانيات وقواعد عسكرية رسمية ومستقلة بشكل ما في ظل الدولة العراقية، هذا بالإضافة إلى المطالبة بوقف دعم الحوثيين في اليمن.

في المقابل، ليس لإيران مصلحة في ذلك، فهي دولة بارعة في التفاوض، ولطالما لعبت على عامل الوقت، وترويض الخصم المفاوِض. فهل سترضخ تكتيكيًا بشأن دعم حلفائها، أم ستضطر لتغيير سياستها إستراتيجيًا أمام رئيس أميركي قليل الصبر، ويتوق إلى تحقيق إنجازات سريعة، ويتفاوض بسقف عالٍ مصحوبًا بقوة الولايات المتحدة الأميركية العسكرية والاقتصادية؟

خيارات إيران

في هذا السياق، تبدو خيارات إيران صعبة ومحدودة، ومن بينها:

  • الاستسلام لشروط ترامب، والانكفاء على نفسها، مقابل رفع العقوبات عنها، والانشغال بأوضاعها الداخلية بعيدًا عن نفوذها الإقليمي القوي عبر الحرس الثوري، وهذا الأمر مستبعد، وفقًا لعقيدتها السياسية وتجربتها التاريخية.
  • المناورة مع واشنطن؛ بحيث تقبل بوضع قيود على برنامجها النووي لإبقائه مخصصًا للأغراض السلمية. إضافة إلى التعهد بعدم استهداف إسرائيل عبر منظومتها الصاروخية، كما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2024، طالما أن إسرائيل لم تقم بأعمال استفزازية لها.

أما فيما يتعلق بشبكة حلفائها في المنطقة، وخاصة في العراق ولبنان واليمن، فيمكن لإيران أن تناور بتقليص حجم دعمها لهم، ولكن تظل قضية نزع سلاح حزب الله، كما تطالب إسرائيل والإدارة الأميركية، وتحويله إلى مكون سياسي لبناني خالٍ من القدرات العسكرية الحادة التي يمكن أن تهدد أمن إسرائيل في المستقبل، إحدى العُقَد الرئيسية.

وفي هذا السياق، كان لافتًا تصريح الرئيس اللبناني جوزيف عون لقناة الجزيرة (14-4-2025)، بأن هناك حوارًا يجري مع حزب الله بشأن حصرية حيازة السلاح، مؤكدًا أن قرار حصر السلاح بيد الدولة قد اتُّخذ، وأن تنفيذه سيكون من خلال الحوار وبعيدًا عن استخدام القوة.

الخيارات المطروحة أمام طهران صعبة، وهي تسير مع واشنطن على حافة حادة وزلقة. فهل ستنجح في التمسك بسياساتها وثوابتها الإستراتيجية على طاولة المفاوضات، مع تقديم بعض التنازلات والمناورات التكتيكية لواشنطن، وإغرائها بشراكات اقتصادية بمليارات الدولارات في قطاع الطاقة والبنية التحتية في إيران، كما أشار إلى ذلك بعض المسؤولين الإيرانيين؟

أم أنها ستنتهج مسارًا مغايرًا، تقوم فيه بتغيير سياساتها الإقليمية الخارجية، والتخلي عن جزء من قوتها الذاتية المتعلقة ببرنامجها النووي ومنظومتها الصاروخية، تجنبًا للتصعيد وحمايةً لذاتها، وبفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية بعد خصومة طويلة الأمد؟

أم أن المفاوضات ستفشل، وتأخذنا الأيام إلى تصعيد عسكري غير مرغوب فيه إيرانيًا وعربيًا لما له من آثار اقتصادية وأمنية كارثية على المنطقة؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة